في المقاهي العصرية، بين أيدي الشباب في الجامعات، أو حتى داخل السيارات على إشارات المرور، يلفت انتباهك بخاره المتصاعد ورائحته الزاهية… ليس سيجارًا تقليديًا ولا نرجيلة، بل جهاز صغير يحمل اسمًا أحدث ضجة في السنوات الأخيرة: السجائر الإلكترونية.
ولكن هل توقفت يومًا لتفكر: كيف أصبحت هذه الأجهزة الأنيقة جزءًا من الروتين اليومي للكثيرين؟ وهل هي مجرد موضة عابرة، أم ثورة مستمرة في عالم التدخين؟
التحول السلوكي: من الاحتراق إلى التبخير
لم تكن عملية الإقلاع عن التدخين سهلة على مر العصور. ومع أن المحاولات الطبية والنفسية متعددة، إلا أن البشر كانوا بحاجة إلى بديل يشبه السيجارة من حيث السلوك، دون حمل مخاطرها كاملة. هنا ظهر مفهوم “النيكوتين النظيف”، ومعه ولدت السجائر الإلكترونية، كمنتج صُمم لمحاكاة التجربة، دون اللهب، دون الرماد، وبدون القطران.
جاءت هذه الفكرة من الصين عام 2003، عندما قرر صيدلي يُدعى “هون ليك” ابتكار جهاز إلكتروني يُبخّر سائلاً يحتوي على النيكوتين. وبفضل التكنولوجيا، انتقل المنتج من التجربة المحلية إلى الانتشار العالمي، ليصبح خلال عقد واحد ظاهرة تجارية واجتماعية.
ليس مجرد بديل: ثقافة الـ vape
على عكس ما قد يظنه البعض، فإن أجهزة التبخير الشخصي لم تُخلق فقط كوسيلة للتخلص من السجائر. لقد أصبحت رمزًا لأسلوب حياة جديد، يحمل في طياته جوانب جمالية، تكنولوجية، ونفسية. نرى هذا واضحًا من خلال:
-
التنوع الهائل في نكهات السوائل (من الفواكه الغريبة إلى نكهات القهوة والشوكولاتة)
-
التصميمات الفريدة للأجهزة، بعضها أشبه بقطع فنية
-
مجتمع مستخدمي الـ vape على الإنترنت، حيث يشاركون تجاربهم، نصائحهم، ومقاطع الفيديو الخاصة بـ “خدع البخار”
هذا التحول من مجرد استهلاك نيكوتين إلى ما يشبه “ثقافة فرعية”، يجعلنا نعيد التفكير في العلاقة بين الإنسان والعادة، وكيف يمكن أن تتحول أداة صغيرة إلى هوية شخصية.
ما الذي يدفع الناس لاستخدامها؟
هناك عوامل متعددة، تختلف باختلاف الفئات العمرية والثقافية:
-
الرغبة في الإقلاع عن التدخين: الكثيرون يعتبرونها “الجسر” نحو التوقف التام.
-
الفضول: خصوصًا بين المراهقين، حيث تلعب النكهات الجذابة دورًا كبيرًا.
-
الضغط الاجتماعي: في بعض الدوائر، أصبحت السيجارة الإلكترونية رمزًا للمواكبة والحداثة.
-
انخفاض الرائحة والرماد: ميزة محورية تجذب فئة واسعة من المستخدمين الذين يبحثون عن بديل أقل فوضى.
هل هي آمنة تمامًا؟
الإجابة المختصرة: لا أحد يعلم بشكل قاطع بعد.
رغم أن الدراسات الأولية تشير إلى أن السجائر الإلكترونية تقلل من التعرض للمواد المسرطنة مقارنة بالتدخين التقليدي، إلا أن هناك تساؤلات مستمرة حول:
-
تأثير الاستنشاق المستمر للمواد الكيميائية (كالبروبيلين غليكول والنيكوتين)
-
الآثار طويلة الأمد على الجهاز التنفسي
-
تأثيرها على القلب والأوعية الدموية
الأمر الذي يجعلنا أمام معضلة صحية: هل من الأفضل الانتقال إليها أم الإقلاع التام؟ العلم لم يحسم الجدل بعد، لكن المؤكد هو أن السجائر الإلكترونية ليست “بريئة تمامًا”.
مَن يسيطر على السوق؟
من اللافت أن الشركات الكبرى للتبغ، والتي كانت طوال عقود تُنتج السجائر، أصبحت الآن تُنتج أجهزة التبخير أيضًا. هذا التحول الاستثماري يشير إلى إدراكهم أن مستقبل التدخين قد لا يكون في الورق المشتعل، بل في البطاريات والسوائل.
كما أن دخول شركات التكنولوجيا إلى هذا المجال غيّر اللعبة كليًا، حيث بات التطوير لا يقتصر على “مذاق” السيجارة، بل يشمل سرعة التسخين، عمر البطارية، والتحكم بالتطبيقات.
تأثيراتها الاجتماعية والتربوية
عند الحديث عن التأثير المجتمعي للسجائر الإلكترونية، تظهر عدة محاور مهمة:
-
في المدارس والجامعات: انتشارها بين الشباب دفع العديد من الدول إلى تشديد الرقابة داخل المؤسسات التعليمية.
-
في القوانين: تتباين التشريعات من بلد لآخر، فبينما تسمح دول ببيعها بحرية، تحظرها أخرى بالكامل.
-
في الإعلام: أصبحت جزءًا من السينما، والموسيقى، وحتى الإعلانات، مما يعزز من “جاذبيتها الثقافية”.